الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وتوفي
شيخ في ليلة الجمعة خامس عشر جمادى الأخرة بقلعة الجبل وحضر الصلاة عليه السلطان ودفنه بالجامع المؤيدي في صبيحة يوم الجمعة. وكثر أسف الناس عليه وكان لموته يوم عظيم بالقاهرة ومات وسنه زيادة على عشرين سنة وأمه أم ولد وكان مولده بالبلاد الشامية في أوائل القرن تخمينًا فإنه لما تسلطن والده كان سنه يوم ذاك دون البلوغ. وكان نبيلًا حاذقًا فأنعم عليه أبوه بإمرة مائة. وتقدمة ألف. وتجرد صحبة والده إلى البلاد الشامية ثم عاد معه. ثم لما كبر وترعرع سفره أبوه إلى البلاد الشامية مقدم العساكر فسار إلى بلاد ابن قرمان وغيره وأظهر في هذه السفرة من الشجاعة والإقدام والكرم والحشمة ما أذهل الناس هذا مع حسن الشكالة وطلاقة المحيا والإحسان الزائد لمن يقصده ويتردد إليه ولعمري إنه كان خليقًا للسلطنة لائقًا للملك - فما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثلاثة أذرع سواء. مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعًا وثلاثة أصابع. انتهى.
شيخ السلطان الملك المظفر أبو السعادات أحمد ابن السلطان الملك المؤيد أبي النضر شيخ المحمودي الظاهري الجاركسي الجنس. تسلطن يوم مات أبوه الملك المؤيد شيخ على مضي خمس درج من نصف نهار الاثنين تاسع المحرم سنة أربع وعشرين وثمانمائة وعمره يوم بويع بالملك وجلس على سرير السلطنة سنة واحدة وثمانية أشهر وسبعة أيام. وهو السلطان التاسع والعشرون من ملوك الترك وأولادهم والخامس من الجراكسة وأمه خوند سعادات بنت الأمير صرغتمش الناصري أحد أمراء دمشق وهي إلى الآن في قيد الحياة. ولما مات أبوه السلطان الملك المؤيد طلب الملك المظفر هذا من الحريم بالدور السلطانية فأخرج إليهم فبايعوه بالسلطنة بعهد من أبيه إليه بالملك قبل تاريخه وألبسوه خلعة السلطنة وركب فرس النوبة بأبهة السلطنة وشعار الملك من باب الستارة بقلعة الجبل ومشت الأمراء بين يديه وهو يبكي من صغر سنه مما أذهله من عظم الغوغاء وقوة الحركة. وصار من حوله من الأمراء وغيرهم يشغله بالكلام ويتلطف به ويسكن روعه ويناوله من التحف ما يشغله به عن البكاء حتى وصل إلى القصر السلطاني من القلعة فأنزل من على فرسه وحمل حتى أجلس على سرير الملك وهو يبكي. وقبل الأمراء الأرض بين يديه بسرعة ولقبوه بالملك المظفر بحضرة الخليفة المعتضد بالله أبي الفتح داود والقضاة الأربعة ونودي في الحال بالقاهرة ومصر باسمه وسلطنته. ثم أخذ الأمراء في تجهيز السلطان الملك المؤيد وتغسيله ودفنه حسبما تقدم ذكره في ترجمته. وقبل أن يدفن الملك المؤيد أبرم الأمير ططر أمير مجلس أمره مع الأمراء وقبض على الأمير قجقار القردمي أمير سلاح وأمسكه بمعاونة أكابر المماليك المؤيدية وأيضًا بمعاونة خشداشيته من المماليك الظاهرية برقوق فارتجت القاهرة وماجت الناس ساعة وتخوفوا من وقوع فتنة فلم يقع شيء وذلك لعدم حاشية قجقار القردمي فإنه أحد مماليك الأمراء ليس له شوكة ولا ثم لما كان يوم الثلاثاء عاشر المحرم - وهو صبيحة يوم وفاة الملك المؤيد - عملت الخدمة بالقصر السلطاني من القلعة وأجلس الملك المظفر أحمد على مرتبة السلطنة. وكانت وظيفة ططر أمير مجلس ومنزلة جلوسه في الميمنة تحت الأمير الكبير وكان الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي قد توجه إلى البلاد الشامية قبل ذلك بأشهر فصار ططر يجلس رأس الميمنة لغيبة الأمير الكبير ومنزلة جلوس الأمير تنبك العلائي ميق المعزول عن نياية الشام رأس الميسرة فوق أمير سلاح كل ذلك في حياة الملك المؤيد. فلما تسلطن الملك المظفر هذا وعملت الخدمة بعد مسك قجقار القردمي وكان الملك المؤيد جعل التحدث في تدبير مملكة ولده الملك المظفر لهؤلاء الثلاثة أعني تنبك ميق وقجقار القردمي أمير سلاح وططر أمير مجلس فصار التحدث الآن إلى تنبك ميق وإلى ططر فقط. فلما دخل الأمراء الخدمة على العادة وقبل الجلوس أومأ الأمير ططر إلى الأمير تنبك ميق أن يتوجه إلى ميمنة السلطان ويجلس بها على أنه يكون مكان الأمير الكبير ويجلس هو رأس ميسرة السلطان فامتنع تنبك من ذلك فألح عليه ططر في ذلك واحتشم معه وتأدب إلى الغاية فحلف تنبك بالأيمان المغلظة أنه لا يفعل وأنه لا يجلس إلا مكانه أولًا في الميسرة وأن ططر يجلس في الميمنة وإن لم يفعل ططر ذلك ترك تنبك الإمرة وتوجه إلى الجامع الأزهر بطالًا. فجلس عند ذلك ططر على الميمنة. وعندما استقر بهم الجلوس وقرىء الجيش على السلطان فلم يتكلم أحد من الأمراء في أمر الذي قرأه ناظر الجيش فسكت ناظر الجيش عن قراءة القصص لعدم من يجيبه. فعند ذلك عرض الأمير ططر أيضًا التكلم على الأمير تنبك ميق وقال له: أنت أغاتنا وأكبر منا سنًا وقدرًا والأليق أن تكون أنت مدبر المملكة ونحن في طاعتك نمتثل أوامرك وما ترسم به فامتنع الأمير تنبك أيضًا من التكلم وتدبير المملكة أشد امتناع وأشار إلى الأمير ططر بأن يكون هو مدبر المملكة والقائم بأمورها وأنه يكون هو تحت طاعته فاستصوب من حضر من الأمراء هذا القول فامتنع ططر من ذلك قليلًا حتى ألح عليه الأمراء وكلمه أكابر الأمراء المؤيدية في القبول فعند ذلك قبل وتكلم في المملكة وقرىء الجيش وحضرت العلامة ثم مد السماط على العادة. فعندما نجز السماط أحضرت خلعة جليلة للأمير ططر فلبسها باستقراره لالا السلطان الملك المظفر أحمد وكافل المملكة ومدبرها. ثم أحضرت خلعة أخرى للأمير تنبك ميق فلبسها وهي خلعة الرضى والاستمرار على حاله. وانفضت الخدمة بعد أن أوصل الأمراء السلطان إلى الدور السلطانية وأعيد الملك المظفر إلى أمه بالحريم السلطاني. هذا وقد استقر سكن الأمير ططر بطبقة الأشرفية من قلعة الجبل فجلس ططر بطبقة الأشرفية بعد أن فرشت له ووقف الأمراء ومباشرو الدولة والأعيان بين يديه فأخذ وأعطى ونفذ الأمور على أحسن وجه وأجمل صورة فهابته الناس وعلموا أنه سيكون من أمره ما يكون من أول جلوسه في هذا اليوم. ثم رسم بكتابة الخبر بموت الملك المؤيد وسلطنة ولده الملك المظفر إلى الأقطار وأوعد المماليك السلطانية بالنفقة فيهم على العادة فكثر الدعاء له والفرح بتكلمه في السلطنة. ثم في يوم الأربعاء حادي عشر المحرم رسم الأمير ططر نظام الملك بالقبض على الأمير جلبان رأس نوبة. سيدي إبراهيم بن المؤيد وعلى الأمير شاهين الفارسي وهما من مقدمي الألوف بالديار المصرية فمسكا وقيدا وحبسا. ثم طلب الأمير ططر القضاة ودخل معهم إلى الخزانة السلطانية وختم بحضورهم على خزانة المال بعد أن أخرج منها أربعمائة ألف دينار برسم نفقة المماليك السلطانية ثم نزل القضاة. فلما كان الليل اضطرب الناس ووقعت هجة بالقاهرة ولم يدر أحد ما الخبر حتى طلع الفجر فأسفرت القضية على أن الأمير مقبلًا الحسامي الدوادار لكبير ركب بمماليكه وعليهم السلاح في الليل وخرج من القاهرة ومعه السيفي يلخجا من مامش الساقي الناصري وسار إلى جهة الشام خوفًا من القبض عليه. فلما كان الغد من يوم الخميس اجتمع الأمراء عند الأمير ططر بالقلعة وعرفوه أمر مقبل المذكور وسألوه أن يرسل أحدًا منهم في أثره فلم يلتفت إلى ذلك. وأخذ فيما هو فيه من أمر نفقة المماليك السلطانية ونفق فيهم لكل واحد منهم مائة دينار مصرية فشكر المماليك له ذلك. ثم أمر فنودي بالقاهرة بإبطال المغارم التي جددت على الجراريف في عمل الجسور بأعمال مصر فوقع ذلك من الناس الموقع الحسن. وأما أمر مقبل الدوادار فإنه لما خرج من بيته بمن معه اجتاز بظاهر خانقاه سرقوياس وقصد الطينة بمن معه ففطن بهم العربان أرباب الأدراك فاجتمعوا وقصدوه وحاربوه هو ومن معه فلا زال يقاتلهم وهو سائر إلى أن وصل إلى الطينة فوجد بها غرابًا مهيئًا للسفر فركب فيه بمن معه. ونهبت الأعراب جميع خيولهم وأثقالهم وما كان معهم. وسافر مقبل في الغراب المذكور إلى الشام ولحق بالأمير جقمق الأرغون شاوي الدوادار نائب الشام وانضم عليه وصار من حزبه ودام معه إلى أن انهزم جقمق من القرمشي إلى الصبيبة وقبض عليه فأمسك مقبل هذا أيضًا وحبس كما سيأتي ذكره في محله إن شاء الله تعالى اننهى. ثم أمر الأمير ططر فنودي بالقاهرة لأجناد الحلقة بالحضور إليه ليرد إليهم ما كان أخذه منهم الملك المؤيد في سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة من المال برسم السفر وكان الذي تحصل منهم تحت يد السيفي أقطوه الموساوي الدوادار. فلما حضروا أمر ططر أقطوه أن يدفع لكل واحد منهم ما أخذ منه فضج الناس له بالدعاء وصاحت الألسن بالشكر له والثناء عليه. ثم أخذ الأمير ططر وهو جالس في الموكب بإزاء السلطان بيد السلطان الملك المظفر وفيها قلم العلامة حتى علم على المناشير ونحوها بحضور الأمراء وأرباب الدولة واستمر ذلك في بعض المواكب والغالب لا يعلم إلا الأمير ططر. ثم في يوم الجمعة ثالث عشر المحرم حمل الأمير قجقار القردمي والأمير جلبان والأمير شاهين الفارسي في القيود إلى سجن الإسكندرية. ثم في يوم السبت رابع عشرة خلع الأمير ططر على الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله وأعيد إلى نظر الخاص ومنع الطواشي مرجان الخازندار من التكلم فيها. وفيه أيضًا خلع على القاضي صدر الدين أحمد بن العجمي وأعيد إلى حسبة القاهرة عوضًا عن صارم الدين إبراهيم بن الحسام وأنعم عليه الأمير ططر بثمانين دينارًا ورتب له على ديوان الجوالي بالقاهرة في كل يوم دينارًا. وفي هذا اليوم استتمت نفقة المماليك السلطانية. ثم في يوم الاثنين سادس عشر المحرم خلع السلطان على الأمير ططر باستقراره نظام الملك. وخلع على الأمير تنبك ميق باستقراره أمير مجلس عوضًا عن الأمير ططر. وخلع على الأمير جاني بك الصوفي باستقراره أمير سلاح عوضًا عن قجقار القردمي وأنعم عليه بخبز آق بلاط الدمرداش أحد الأمراء المجردين صحبة الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي. وخلع على الأمير تغري بردي المؤيدي المعروف بأخي قصروه أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة باستقراره أمير مائة ومقدم ألف وأمير آخور كبيرًا دفعة واحدة عوضًا عن الأمير طوغان الأمير آخور بحكم سفره صحبة الأتابك ألطنبغا القرمشي. وخلع على الأمير إينال الجكمي أحد أمراء الطبلخانات وشاد الشراب خاناه واستقر به رأس نوبة النوب عوضًا عن الأمير ألطنبغا من عبد الواحد المعروف بالصغير بحكم سفره أيضًا مع القرمشيء وخلع على الأمير علي باي المؤيدي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة باستقراره داوادارًا كبيرًا عوضًا عن مقبل الحسامي المتوجه إلى البلاد الشامية. وأنعم على الأمير آق خجا الأحمدي أحد أمراء الطبلخانات واستقر أمير مائة ومقدم ألف. وخلع على الأمير قشتم المؤيدي أحد أمراء العشرات باستقراره أمير مائة ومقدم ألف ونائب الإسكندرية عوضًا عن الأمير ناصر الدين محمد بن العطار. وخلع على الأمير يشبك أتالي المؤيدي الأستادار خلعة الاستمرار على وظيفته. وخلع على التاج بن سيفة الشوبكي خلعة الاستمرار بولاية القاهرة وأن يكون حاجبًا فاستغرب الناس ذلك من أن الحجوبية تضاف إلى ولاية القاهرة. ثم في يوم الثلاثاء سابع عشرة توجهت القصاد بتشاريف نواب البلاد الشامية وتقاليدهم المظفرية باستمرارهم على عادتهم في كفالاتهم وكتب الأمير ططر نظام الملك العلامة على الأمثلة ونحوها كما يكتب السلطان. ثم في يوم الأربعاء ثامن عشر المحرم ابتدأ الآمير أقطوه برد مال أجناد الحلقة إليهم وتولى ذلك في أول يوم الأمير ططر بنفسه. ثم في يوم الخميس تاسع عشره خلع نظام الملك على الفضاة الأربعة وبقية أرباب الدولة من المتعممين على عادتهم وخلع على القاضي شرف الدين محمد بن تاج الدين عبد الوهاب بن نصرالله موقع الأمير ططر باستقراره في نظر أوقاف الأشراف وكان يليه الأمير ططر من يوم مات القاضي ناصر الدين محمد بن البارزي كاتب السر. وفيه استعفى القاضي علم الدين داود بن الكويز من وظيفة نظر الجيش فأعفي وخلع عليه كاملية بسمور ونزل إلى داره كل ذلك حيلة لتوصله لوظيفة كتابة السر وهي بيد صهره القاضي كمال الدين ابن البارزي حتى وليها حسبما يأتي ذكره. ثم في يوم الجمعة نودي بأن الأمير الكبير ططر يجلس للحكم بين الناس فلما انقضت الصلاة توجه الأمير الكبير ططر فجلس بالمقعد من الإسطبل السلطاني كما كان الملك المؤيد يجلس للحكم به إلا أنه قعد على يسار الكرسي ولم يجلس فوقه. وحضر أمراء الدولة على العادة وقعد كاتب السر القاضي كمال الدين بن البارزي على الدكة وقرأ عليه القصص ووقف نقيب الجيش ووالي القاهرة والحجاب بين يديه وحكم بين الرعية ورد المظالم وساس الناس أحسن سياسة فإنه كانت لديه فضيلة وعنده يقظة وفطنة ومشاركة جيدة في الفقه وغيره وله محبة في طلب العلم لا سيما مذهب السادة الحنفية فإنهم كانوا عنده في محل عظيم من الإكرام. ثم انفض الموكب وطلع إلى طبقة الأشرفية وجميع الأمراء بين يديه في خدمته إلى أن أكل السماط ونفذ الأمور ونزل كل أحد إلى منزله. وأصبح يوم السبت حادي عشرين المحرم غضب على الصاحب تاج الدين عبد الرزاق بن الهيصم وعزله عن نظر ديوان المفرد. ثم في يوم الاثنين ثالث عشرينه قدم أمير حاج المحمل بالمحمل. وفيه طلب الأمير ططر تاج الدين عبد الرزاق بن شمس الدين عبد الوهاب المعروف بابن كاتب المناخ مستوفي ديوان المفرد وخلع عليه باستقراره ناظر ديوان المفرد عوضًا عن الصاحب تاج الدين عبد الرزاق بن الهيصم وخرج من بين يدي الأمير الكبير وعليه الخلعة حتى جاوز دهليز القصر فطلبه الأمير ططر ثانيًا ونزع الخلعة من عليه وخلع عليه تشريف الوزاره فلبسها على كره منه عوضًا عن الصاحب بدر الدين بن نصر الله برغبته عنها وطلب الصاحب تاج الدين عبد الرزاق بن الهيصم وخلع عليه بإعادته إلى نظر الديوان المفرد وخلع على الصاحب بدر الدين بن نصر الله باستمراره في وظيفته نظر الخاص وخلع على الأمير يشبك أنا لي المؤيدي الأستادار باستقراره كاشف الكشاف بالوجه القبلي والبحري. ثم في يوم الخميس سادس عشرينه خَلَع على القاضي كمال الدين محمد ابن البَارِزِيّ كاتب السَرِّ باستقراره في وظيفة نظر الجيش عِوَضًَاعن عَلَم الدين بن الكوَيْز. ثم حَكَم الأميرُ طَطَر في يوم الجمعة أيضًا بعد الصلاة بالإسطبل السلطاني كما حكم به أولًا ثم في يوم الاثنين سلبْخَ المحَرم خَلَع الأميِر الكبير طَطَر على عَلَم الدين بن الكُويز باستقراره في وظيفة كاتب السر عِوَضًاعن صِهْرِهِ القاضي كمال الدين ابن البارِزِي. قال المقريزي: فتسلُّم القَوْسَ غيرُ بَارِيها وَوُسَدَت الأمورُ إلى غير أهليها. قلتَ: ومعنى قول المقريزي لهذا الكلام لم يُرِد الْحَط على ابن الكُويز غير أن وظيفة كتابة السًر وظيفة جليلة يكون مُتَوَلِّيها له اليد الطَولَى في الفقه والنحو والنَّظْم والنَثر والتَرَسُل والمكاتبات والباع الواسع في التاريخ وأيام الناس وأفعال السلف كما وَقَع للملك الظّاهر بَرْقوق لَمّا وَرَدَ عليه كتابٌ من بعض ملوك العَجَم فلم يَقْدِر القاضي بدر الدين بن فضل الله على حَلًهِ - وهو كاتب سر فاحتاج السلطانُ إلى أن طلب من أثناء طريق دمشق الشيخٍ بدرَ الدين محمود الكلسْتَاني وهو من جملة صُوفية خانقاه شَيْخُون حتى حَلً له ألفاظه. وصادف ذلك قُرْبَ أجل ابن فضل الله فَسَعَى فيِ وظيفة كتابة السر جماعةٌ كبيرة من الأعيان بمال له صورة فلم يلتفت بَرْقُوق إليهم وأرسل أحْضَر الكُلُسْتَاني ولم يكن عليه مَلُوطة يتجمّل بها وخلع عليه باستقراره في كتابة السر وقد تقَدًم ذكر ذلك كله في ترجمة الملك الظاهر بَرْقُوق الثانية - فصار الكلسْتاني على طريق أذهل فيها الملك الظاهر بَرْقُوق ونبهَهُ على أشياء لم يكن سَمِعَها من غيره. ثم لم يَل هذه الوظيفة بعد الكُلُسْتاني أمثل من القاضي ناصر الدين ابن البارِزِيّ ثم ولده كمال الدين هذا فإنهما كانا أهلًا لها وزيادة. فعندما عزِلَ ابن البارزي واستقرَّ عوضه عَلم ا الدين هذا شَقَّ ذلك على أهل العلم والذَّوْق. وصادَف ذلك بأنه لما جَلَس عَلَمُ الدين على الدكَة وقَرَأ القِصَصَ على الأمير الكبير ططر صَحّف اسم ابن جَمَّاز بابن الحمار وقال: ابن الحمَار فردّ عليه نقيبُ الجيش في الملأ: " ابن جَمّاز ابن جَمّاز وكرّر ذلك حتى ضَحِك الناس. وطلع الأميرُ ططر إلى الأشرفية وَوَعَدَ في تلك الليْلَة الشيخ بَدْرَ الدين بن الأقْصَرَائي سِرًا بوظيفة كتابة السر إن تمّ أمْرُه وأمَره أن يَكْتُم ذلك إلى وقته. ثم قَدِمَ الخبرُ من الشام بأن الأمير جَقْمَق الأرْغُون شَاوِي نائب الشام امتنع من الدخول في طاعة الأمير ططر وأنه أخذ قلعة دمَشق واسْتَوْلى عليها وعلى ما فيها من الأموال والسلاح وغير ذلك وكان بها نحو المائة ألف دينار فاضطرب أهلُ الدَوْلة إلا الأمير ططر فإنه لم يَتَحَرُّك لذلك. وطلع إليه حمفوه الأمير سُودون الفقيه الظاهري وكان له عنده مكانة عظيمة فجاراه سُودون في أمر جَقْمَق فقال له ططر: يا أبي الأهم ألْطُنْبُغَا القَرْمَشِي الظاهري وأما جَقْمَق فإنه رَجلٌ غريب مملوك أمير ليس له من يقوم بنُصْرَتِه ولا من يعينه على ما يرومه غير أنه يلعب في ذهاب مهجته فقال له سودون الفقيه: وإن يكن فافعل الأحْوَط وأشار عليه بما يفعله. فلما كان يوم الخميس عاشر صفر جمع الأميرُ الكبيرُ ططر القضاة عنده بطبقة الأشرفية من القلعة وسائر أمراء الدوْلة ومباشريها وكثيرًا مِنَ المَماليك السلطانية وأعلمهم بأن نوَاب الشام والأمير الكبير أَلْطُنْبغَا القَرْمَشِي ومن معه من الأمراء المجردِين لم يرضوا بما عمله الأميرُ طَطر بعد مَوْت السلطان الملك المؤّيد ثم قال: ولا بد للناس من حاكِم يَتَولى أمر تدبير أمورهم وأن يعينوا رجلًا يرضونه ليقوم بأعباء المملكة ويستبد بالأمور فقال جميع من حضر بلسان واحد: قد رضينا بك وكان الخليفة حاضرًا فيهم فأشهد الأمير ططر عليه أنه فوض جميع أمور الرعية إلى الأمير الكبير ططر وجعل إليه عزل من يريد عزله وولاية من يريد ولايته من سائر الناس وأن يعطي من يختار ويمنع من شاء من العطايا ما عدا اللقب السلطاني والدعاء على المنابر وضرب الاسم على الدينار والدرهم فإن هذه الثلاثة باقية على ما هي باسم السلطان الملك المظفر أحمد. وأثبت قاضي القضاة زين الدين عبد الرحمن التفهني الحنفي هذا الإشهاد وحكم بصحته ونفذ حكمه قضاة القضاة الثلاثة. ثم حلف الأمراء جميعهم للأمير الكبير ططر يمينهم المعهود بالطاعة له في كل قليل. وكان سبب هذا أن بعض أعيان الفقهاء الحنفية ذكر للأمير ططر نقلًا أخرجه إليه من فروع المذهب أن السلطان إذا كان صغيرًا وأجمع أهل الشوكة على إقامة رجل للتحدث عنه في أمور الرعية حتى يبلغ رشده نفذت أحكامه فوقع هذا القول في محله وقويت قلوب حواشي الأمير ططر بذلك وقالوا: نحن على الحق ومن خالفنا على الباطل. وبينما الأمير ططر في ذلك ورد عليه الحنبر بسيف الأمير يشبك اليوسفي نائب حلب وقد قتل في وقعة كانت بينه وبين الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي فى يوم الثلاثاء ثالث عشرين المحرم. قال المقريزي: وكان يشبك من شرار خلق الله تعالى لما هو عليه من الفجور والجرأة على الفسوق والتهون في سفك الدماء وأخذ الأموال. وكان الملك المؤيد قد استوحش منه لما يبلغه من أخذه في أسباب الخروج عليه وأسر للأمير ألطنبغا القرمشي في إعمال الحيلة في القبض عليه فأتاه الله من حيث لم يحتسب وأخذه أخذًا وبيلًا ولله الحمد انتهى كلام المقريزي. قلت: وكان من خبر يشبك هذا مع الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي أنه لما خرج القرمشي من الديار المصرية إلى البلاد الشامية وصحبته الأمراء وهم: الأمير طوغان أمير آخور وألطنبغا من عبد الواحد الصغير رأس نوبة النوب وأزدمر الناصري وآق بلاط الدمرداش وسودون اللكاش وجلبان أمير آخور الذي تولى نيابة دمشق في دولة الملك الظاهر جقمق وقبل خروج القرمشي من القاهرة أسر إليه الملك المؤيد بالقبض على الأمير الكبير يشبك اليوسفي نائب حلب إن أمكنه ذلك فسار القرمشي إلى البلاد الشامية مقدمًا للعساكر ثم توجه إلى البلاد الحلبية ثم ساروا من حلب هو ورفقته إلى حيث ندبهم إليه الملك المؤيد وعادوا إلى حلب في أول سنة أربع وعشرين وأقاموا بها فاستوحش الأمير يشبك نائب حلب منهم ولم يجسر القرمشي على مسكه. وبينما هم في ذلك طرقهم الخبر بموت السلطان الملك المؤيد فاضطرب الأمراء المجردون وعزم الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي على العود إلى الديار المصرية ووافقه على ذلك رفقته من الأمراء. وبرز بمن معه إلى ظاهر حلب وخرجوا من باب المقام. وبلغ ذلك الأمير يشبك نائب حلب وكان لم يخرج لتوديعهم فعزم على أن يركب ويقاتلهم. وبلغ ذلك القرمشي في الحال فأرسل إليه دواداره السيفي خشكلدي القرمشي. حدثني خشكلدي المذكور من لفظه قال: ندبني أستاذي الأمير ألطنبغا القرمشي أن أتوجه إلى أمير يشبك وأذكر له مقالة القرمشي له فتوجهت إليه فإذا به قد طلع إلى منارة جامع حلب فطلعت إليه بها وسلمت عليه فرد علي السلام وقال: هات مامعك. فقلت: قد تعبت من طلوع السلم أمهل علي ساعة فإني جئت من ملك إلى ملك فأمهلني ساعة فبدأته بأن قلت: الأمير الكبير يسلم عليك ويقول لك بلغة أنك تريد قتاله بمن معه من الأمراء وهو يسألك ما القصد في قتاله وقد استولى ططر على الديار المصرية وجقمق على البلاد الشامية فاقصدهما فإنهما هما الأهم فإن أجليتهما عما ملكاه فنحن في قبضتك وإن كانت الأخرى فما بالك بالتشويش علينا لغيرك ونحن ناس سفار غرباء البلاد قال: فلما سمع كلامي سكت ساعة وقال: يسافروا من وقف في طريقهم ومن هو الذي يقاتلهم أو معنى هذا الكلام قال: فبست يده وعدت بالجواب إلى الأمير الكبير وقبل أن أبلغه الرسالة إذا يشبك المذكور نزل من المنارة ولبس آلة الحرب هو ومماليكه في الحال وقصد الأمراء وهم بالسعدي. فلما رآه الأمراء المصريون ركبوا ورجعوا إليه وحملوا عليه حملة واحدة انكسر فيها وتقنطر عن فرسه وقطعت رأسه في الوقت. فعاد الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي بمن معه من الأمراء إلى حلب ونزل بدار السعادة. ومن غريب ما اتفق ان الأمير يشبك المذكور كان قد استوى سماطه فأخره إلى أن يقبض على الأمراء ويعود يأكله فقتل في الحال. ودخل القرمشي بمن معه ومد السماط بين أيديهم فأكلوه وكانوا في حاجة إلى الأكل. واستمر القرمشي بحلب مدة إلى أن ولى نيابة حلب الأمير ألطنبغا من عبد الواحد الصغير رأس نوبة وعاد إلى دمشق. واتفق القرمشي مع الأمير جقمق نائب الشام على قتال المصريين لمخالفتهم لما أوصى به الملك المؤيد شيخ قبل موته. وكانت وصية الملك المؤيد أن يكون ابنه سطانًا وأن يكون ألطنبغا القرمشي هو المتحدث في تدبير مملكته فخالف ذلك الأمير ططر وصار هو المتحدث وأخرج إقطاعات الأمراء المجردين صحبته. وبينما هم في ذلك بلغهم أن الأمير ططر عزم على الخروج من الديار المصرية ومعه السلطان الملك المظفر أحمد إلى البلاد الشامية فتهيئوا لقتاله. ثم بعد مدة يسيرة وقع بينهما وحشة وتقاتلا فانهزم جقمق إلى الصبيبة وملك القرمشي دمشق حسبما يأتي ذكره. هذا ما كان من أمر القرمشي مع يشبك. وأما الأمير ططر فإنه لما بلغه قتل يشبك سر بذلك سرورًا عظيمًا وقال في نفسه: قد كفيت أمر بعض أعدائي بل كان يشبك أشد عليه من جميع من خالفه. انتهى. ثم في يوم الخميس سابع عشر صفر قدم الأمير قجق العيساوي حاجب الحجاب - كان - في الدولة الناصرية والأمير بيبغا المظفري أمير مجلس - كان - من سجن الإسكندرية بأمر الأمير ثم قدم الأمير يشبك الساقي الظاهري الأعرج وكان الملك المؤيد قد نفاه من دمشق إلى مكة لما حضر إليه من قلعة حلب في حصاره الأمير نوروز الحافظي بدمشق بحيلة دبرها الملك المؤيد على يشبك المذكور حتى استنزله من قلعة حلب فإنه كان نائبها من قبل الأمير نوروز. ولما ظفر به المؤيد شيخ أراد قتله فيمن قتله من أصحاب نوروز من الأمراء الظاهرية برقوق فشفع فيه الأمير ططر فأخرجه الملك المؤيد شيخ إلى مكة فأقام بها سنين ثم نقله إلى القدس فلم تطل مدته به حتى مات الملك المؤيد وتحكم ططر فكتب بحضوره إلى القاهرة. وكان له منذ خرح من الديار المصرية نحو العشرين سنة فإنه جرح في نوبة بركة الحبش من سنة أربع وثمانمائة الجرح الذي كان سببًا لعرجه وخرج من القاهرة ودام بالبلاد الشامية إلى يوم تاريخه. قلت: ويشبك هذا هو الذي صار أتابكًا بالديار المصرية في دولة الملك الأشرف برسباي وهو الذي حسن للملك الأشرف برسباي الاستيلاء على بندر جدة حتى وقع ذلك. وكان يشبك من رجال الدهر عقلًا وحزمًا ورأيًا وتدبيرًا لم تر عيني مثله في أبناء جنسه ويأتي ذكره في محله إن شاء الله تعالى - انتهى. ثم قدم أيضًا سودون الأعرج الظاهري من قوص وكان الملك المؤيد أيضًا قد نفاه إليها من سنين عديدة. وكان سودون أيضًا من أعيان المماليك الظاهرية برقوق وفي ظنه أنه من مقولة الأمير ثم أفرج الأمير ططر نظام الملك عن الأمير ناصر الدين محمد بك بن علي بك بن قرمان. وخلع عليه ورسم بتجهيزه ليعود إلى مملكته فتجهز وسار في النيل يوم السبت سادس عشرين صفر إلى ناحية رشيد ليركب منها إلى البحر الملح ويتوجه إلى جهة بلاده.
ثم في يوم الأربعاء أول شهر ربيع الأول قدم الخبر على الأمير ططر على يد بعض الشاميين ومعه كتاب الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي من حلب وهو يتضمن: أنه لما قتل الأمير يشبك نائب حلب ولى عوضه الأمير ألطنبغا من عبد الواحد الضغير رأس نوبة النوب فإنه عندما ورد عليه الخبر بموت السلطان الملك المؤيد شيخ بعدما عهد بالسلطنة من بعده لابنه الملك المظفر أحمد وأن يكون القائم بتدبير الدولة ألطنبغا القرمشي وأنه قد أقيم في السلطنة الملك المظفر كما عهد الملك المؤيد أخذ هو ومن معه من الأمراء في الرحيل من حلب إلى جهة الديار المصرية كما رسم له به. وكان من أمر يشبك ما كان فاشتغل بذلك عن المسير. ثم ورد عليه الخبر باستقرار نواب الممالك الشامية على عوائدهم وتحليفهم للسلطان الملك المظفر أحمد وللأمير الكبير ططر فحمل الأمر في ذلك على أنه غلط من الكاتب وسأل أن يفصح له عن ذلك وأبرق وأرعد. ولم يعلم بأن الأمر انقضى وفاته ما أراد. وقد انتهز الأمير ططر الفرصة وتمثل لسان حاله بقول القائل: الوافر ثم أمر الأمير ططر بكتابة جوابه فأجيب بكلام متحصله: أنه لما عهد الملك المؤيد شيخ لابنه بالملك وأقيم في السلطنة طلب الأمراء والخاصكية والمماليك السلطانية أن يكون المتحدث في أمور الدولة الأمير ططر ورغبوا إليه في ذلك ففوض إليه الخليفة جميع أمور المملكة بأسرها فليحضر الأمير بمن معه إلى الديار المصرية ليكونوا على إمرياتهم وإقطاعاتهم على عادتهم ثم أنكر عليه استقرار ألطنبغا الصغير في نيابة حلب من غير استئذانه. ثم قدم الخبر أيضًا على الأمير ططر بأن علي بن بشارة قاتل الأمير قطلوبغا التنمي نائب صفد وكسره فانحصر بمدينة صفد إلى أن فر منها إلى دمشق وإنضم على نائبها الأمير جقمق وأن جقمق قد استعد بدمشق واستخدم جماعة كبيرة من المماليك وسكن قلعة دمشق. فتحقق الأمير ططر عند ذلك خروج جقمق عن طاعته وكذلك الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي وأخذ في إبرام أمره. فلما كان يوم الخميس تاسع شهر ربيع الأول المذكور خلع على الأمير تنبك ميق العلائي باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضًا عن ألطنبغا القرمشي وأنعم عليه بإقطاعه وأنعم بإقطاع تنبك ميق على الأمير إينال السيفي شيخ الصفوي المعروف بالأرغزي وأنعم بإقطاع إينال الأرغزي المذكور على الأمير قجق العيساوي القادم من سجن الإسكندرية قبل تاريخه وأنعم بإقطاع ألامير طوغان أمير آخور أحد الأمراء المجردين على الأمير تغري بردي من آقبغا المؤيدي المعروف بأخي قصروه المقدم ذكره وأنعم بإقطاع الأمير ألطنبغا الصغير رأس نوبة النوب المستقر في نيابة حلب على سودون العلائي وأنعم بإقطاع سودون العلائي على الأمير قطج من تمراز الظاهري وأنعم بإقطاع الأمير أزدمر الناصري أحد مقدمي الألوف المجردين على الأمير بيبغا المظفري الظاهري الذي قدم قبل تاريخه من سجن الإسكندرية. وأنعم بإقطاع الأمير جرباش الكريمي المعروف بقاشق أحد المقدمين المجردين على الأمير تمرباي من قرمش المؤيدي شاد الشراب خاناه وأنعم بإقطاع الأمير تمرباي المذكور وهو إمرة طبلخاناه على الآمير أركماس اليوسفي وبإقطاع الأمير أركماس المذكور على سودون النوروزي الحموي وبإقطاع سودون الحموي على شاهين الحسني وتغري بردي المحمدي قسم بينهما وأنعم بإقطاع الأمير جلبان الأمير آخور كان أحد المقدمين المتجردين على الأمير علي باي من علم شيخ المؤيدي الدوادار الكبير وأنعم بإقطاع علي باي المذكور على الديوان المفرد. وأنعم بإقطاع الأمير مقبل الحسامي الدوادار الكبير الذي تسحب قبل تاريخه من القاهرة إلى الشام على الأمير جقمق العلائي الخازندار وهو الملك الظاهر جقمق وأنعم بإقطاع الأمير ألطنبغا المرقبي حاجب الحجاب أحد المجردين على الأمير قصروه من تمراز الظاهري وأنعم بإقطاع قصروه على مغلباي البوبكري المؤيدي الساقي ثم أنعم على الأمير قانباي الحمزاوي ثاني رأس نوبة بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية. ثم في يوم الأربعاء ثاني عشرين شهر ربيع الأول المذكور فرق الأمير ططر على الأمراء والمماليك في دفعة واحدة أربعمائة فرس برسم السفر إلى الشام وقد عزم على المسير إلى البلاد الشامية صحبة السلطان الملك المظفر أحمد بعد أن رسم للأمراء والمماليك بالتجهيز إلى السفر. ثم قدم قصاد الأمراء المجردين إلى مصر بطلب جمالهم وأموالهم فمنعوا من ذلك وكتب للأمير ألطنبغا القرمشي بأن الجمال فرقها السلطان وقد عزم على السفر وأنت مخير بين أن تحضر على ما كنت عليه وبين أن تستقر في نيابة الشام عوضًا عن جقمق الأرغون شاوي. ثم أخذ الأمير ططر في التهيؤ والاهتمام إلى السفر. ثم في يوم الاثنين سابع عشرينه خلع الأمير ططر على الأمير صلاح الدين محمد ابن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله ناظر الخواص باستقراره أستادار العالية عوضًا عن الأمير يشبك المؤيدي المعروف بأتالي بعد عزله وأنعم على صلاح الدين المذكور بإمرة مائة وتقدمة ألف. وفي هذا اليوم والذي قبله نودي بالقاهرة وظواهرها بأن لا يسافر أحد إلى البلاد الشامية وهدد من وجد مسافرًا إليها بالقتل. وكان القصد بهذه القضية تعمية أخبار مصر وأحوالها عن قلت: ولهذه الفعلة وأشباهها كان يعجبني أفعال الأمير ططر فإنه كان يسير على طريق ملوك السلف في غالب حركاته لكثرة اطلاعه لأخبارهم وأمورهم ومن تعمية الأخبار على العدو والتوري في الأسفار من أن يقصد مكانًا فيور بآخر. ومن مخادعة أعدائه والترقق لهم فإنه بلغه - لما استفحل أمره عن الأكل علي باي المؤيدي الدوادار أنه يقول لخجداشيته المؤيدية: لا تكترثوا بأمره كفاية له - إن استقام فهو على حاله وإن تعوج أخذته بيدي وألقيته من أعلى القصر إلى الأرض وأيش هو ططر. فلما سمع ذلك أمر القائل له بالكتمان - وأخذ في الإلمام على علي باي المذكور وإظهاره على سره وهو مع ذلك في قلبه منه أمور وحزازات وأيضا لما وصل إلى الشام حسبما نذكره. وقدم عليه خجداشيته من عند قرا يوسف على أقبح حال من الفقر أعني عن الأمراء الذين هربوا من الملك المؤيد في وقعة قاني باي نائب الشام وهم سودون من عبد الرحمن نائب طرابلس وتنبك البجاسي نائب حماة وطرباي نائب غزه وجاني بك الحمزاوي ويشبك الجكمي الدوادار الثاني الذي كان فر من الحجاز إلى العراق وغيرهم فلما وصلوا إلى دمشق وتمثلوا بين يدي ططر ورآهم علي باي الدوادار المذكور وتغري بردي المؤيدي أمير آخور كبير قالا للأمير ططر - لما أتوا -: هؤلاء يريدون العود إلى ماكانوا عليه وهم أعداء أستاذنا فقال لهما ططر: أعوذ بالله هؤلاء ما بقي فيهم بقية لطلب ما ذكرتموه مما قاسوه من الغربة والتشتت وإنما قصد كل واحد منهم ما يقوم بأوده مثل إقطاع حلقة ويقيم بالقدس أو مرتب ويقيم بدمياط أو شيء على الجوالي وأنتم تعرفون أنهم خشداشيتنا لا يمكننا إلا النظر في أحوالهم بنحو ما ذكرناه فلما سمع المؤيدية ذلك قالوا: " هذا ما نقول فيه شيئًا وأما غير ذلك فلا فقال لهم ططر: وما تم غير ما قلته فانخدعوا وسكتوا على ما سنذكره من أمرهم عند قدومهم على الأمير ططر بدمشق. انتهى. ثم أخذ الأمير ططر - بعد المناداة - في تجهيز أمره وأمر السلطان الى السفر. فلما كان يوم الاثنين رابم شهر ربيع الآخر ركب الأمير ططر نظام الملك من قلعة الجبل ومعه الأمراء والخاصكية والمماليك السلطانية وسار إلى جهة قبة النصر ثم عاد ودخل القاهرة من باب النصر وخرج من باب زويلة إلى أن طلع إلى القلعة في موكب سلطاني لم يفقد فيه إلا الجاوشية والعصابة السلطانية وهذا أول موكب ركبه الأمير ططر من يوم تحكمه في الديار المصرية وهو من يوم موت الملك المؤيد شيخ. ثم في سادسه نودي فى المماليك السلطانية بالطلوع إلى القلعة لأخذ نفقة سفر في يوم الخميس. فلما كان يوم الخميس المذكور جلس الأمير ططر نظام الملك بقلعة الجبل وأنفق في المماليك السلطانية نفقة السفر لكل واحد مائة دينار إفرنتية. ثم في تاسعه أنفق على الأمراء والمماليك أيضًا فحمل للأمير الكبير تنبك ميق خمسة آلاف دينار ولمن عداه أربعة آلاف دينار وثلاثة آلاف دينار. وفي عاشره أخرج الأمير ططر ولدي الملك الناصر فرج من قلعة الجبل ووجههما إلى سجن الإسكندية كما كانا أولًا به. وكان سبب قدومهما من الإسكندرية إلى مصر أن عمتهما خوند زينب بنت السلطان الملك الظاهر برقوق وزوجة الملك المؤيد شيخ كانت سألت زوجها الملك المؤيد في قدومهما بسبب ختانهما فقدما إلى القلعة وختنا وهما محمد وخليل فأقاما عند عمتهما إلى أن مات الملك المؤيد. فلما عزم ططر على التوجه إلى البلاد الشامية أمر بعودتهما إلى الإسكندرية وسجنهما بها كما كانا أولًا. ثم في رابع شهر ربيع الآخر خرجت مدورة السلطان إلى الريدانية خارج القاهرة فقدم الخبر على الأمير ططر بأن عساكر دمشق برزت منها إلى اللجون فركب الأمير ططر في يوم الثلاثاء تاسع عشرة من قلعة الجبل ومعه السلطان الملك المظفر أحمد والأمراء وسائر أرباب الدولة ونزل من قلعة الجبل إلى الريدانية بمخيمه وسافرت أم السلطان الملك المظفر أحمد خوند سعادات في محفة صحبة ولدها. وأصبح من الغد في يوم الأربعاء رحل الأمير الكبير تنبك ميق من الريدانية ثم استقل الأمير ططر بالسفر ومعه السلطان والخليفة والقضاة الأربعة وبقية العساكر في يوم الجمعة ثاني عشرين شهر ربيع الآخر المذكور والموكب جميعه لططر بعد أن جعل الأمير قاني باي الحمزاوي نائب الغيبة بالديار المصرية وهو يومئذ غائب ببلاد الصعيد وأن ينوب عنه في نيابة الغيبة الأمير جقمق العلائي جاركس المصارع إلى أن يحضر قاني باي وجعل معهما أيضًا في القاهرة لأمراء المقدمين الأمير آقبغا التمرازي والأمير قرا مراد خجا الشعباني. سار الأمير ططر من الريدانية بالسلطان إلى أن وصل مدينة غزة في يوم الاثنين جمادى الأولى. وفي مدة إقامته بغزة قدم عليه جماعة من الأمراء ممن خرج من عسكر دمشق منهم الأمير جلبان أمير آخور وكان أحد الأمراء المجردين إلى حلب في أيا الملك المؤيد والأمير إينال النوروزي نائب حماة وغيرهما فسر الأمير ططر وفر منهم - ممن كان خرج معهم من دمشق - الأمير مقبل الحسامي الدوادار كان - في طائفة يريد دمشق إلى الأمير جقمق. ثم سار الأمير ططر من غزة بالسلطان والعساكر يريد دمشق حتى وصل إلى بيسان في يوم الثلاثاء عاشر جمادى الأولى فورد عليه الخبر من دمشق بأن الآمير الدوادار لما وصل إلى دمشق وأخبر الأمراء بدخول الأمير جلبان والأمير إينال النورزوي في طاعة الأمير ططر شق ذلك على الأمير جقمق الأرغون شاوي نائب الشام وعلى الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي ومن معه من الأمراء المصريين واضطرب أمرهم وتكلموا في المصلحة فلم ينتظر لهم أمر واختلفا - أعني القرمشي وجقمق نائب الشام - فاقتضى رأي ألطنبغا القرمشي ومن معه الدخول في طاعة الأمير ططر والتسليم له فيما يفعل وامتنع جقمق نائب الشام من ذلك وأبى قتال ططر. وافترقا من يومئذ وصارا في تباين إلى أن كان يوم الثلاثاء ثالث جمادى الأولى المذكورة بلغ الأمير ألطنبغا القرمشي عن جقمق أنه يريد عليه وعلى من معه من الأمراء فطلب أصحابه وشاورهم فيما يفعل فاقتضى رأيهم محاربته. فبادر القرمشي إلى محاربة جقمق وركب بمماليكه وأصحابه بآلة الحرب وعليهم السلاح ووقف بهم تجاه قلعة دمشق وقد رفع الصنجق السلطاني وأعلن بطاعة السلطان فأتاه جماعه كبيرة من أمراء دمشق وغيرها راغبين في الطاعة. وبلغ جقمق ذلك فتهيأ لقتاله ولبس السلاح ونزل بمماليكه وأصحابه وصدم بهم الأمير ألطنبغا القرمشي ومن معه وقاتلهم فكان بينه وبينهم وقعة هائلة طول النهار إلى أن انكسر الأمير جقمق وتوجه هو والأمير طوغان أمير آخور والأمير مقبل الحسامي الدوادار في نحو الخمسين فارسًا إلى جهة صرخد وأن الأمير ألطنبغا القرمشي استولى على مدينة دمشق وتقدم إلى القضاة والأعيان أن يتوجهوا إلى ملاقاة السلطان والأمير ططر. فسر الأمير ططر بذلك غاية السرور وعلم أن الأمر قد هان وتحقق كل أحد ثبات أمره وأنه سيصير أمره إلى ما سنذكره. وكان الذي قدم عليه بهذا الخبر الأمير أزدمر الناصري أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية ممن كان صحبة القرمشي بالبلاد الحلبية. ثم قدم على الأمير ططر أيضًا الأمير قطلوبغا التنمي نائب صفد وخلع عليه الأمير ططر باستقراره على نيابة صفد. ثم ركب الأمير ططر ومعه السلطان والعساكر إلى نحو دمشق حتى دخلها من غير ممانع بكرة الأحد خامس عشر جمادى الأولى المذكورة بعد أن تلقاه الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي ومعه الأمير ألطنبغا المرقبي حاجب الحجاب بالديار المصرية والأمير جرباش الكريمي المعروف بقاشق أحد مقدمي الألوف بديار مصر والأمير سودون اللكاشي أحد مقدمي الألوف أيضًا والأمير آق بلاط الدمرداش أحد مقدمي الألوف أيضًا. ولما دخل القرمشي على السلطان الملك المظفر أحمد نزل وقبل الأرض له بمن معه وسلم على الأمير ططر ثم ركب وسار في خدمة السلطان فتأدب معه الأمير ططر نظام الملك بأن يسير في ميمنة السلطان الملك المظفر فامتنع من ذلك وألح عليه فأبى إلا سيره في ميسرة السلطان كل ذلك بعد أن خلع السلطان علي القرمشي وسار السلطان إلى أن طلع إلى قلعة دمشق ومعه فأؤل ما بدأ به الأمير ططر أن قبض على الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي وعلى الأمير جرباش الكريمي وعلى الأمير ألطنبغا المرقبي وعلى الأمير أردبغا من أمراء الألوف بدمشق وعلى الأمير بدر الدين حسن بن محب الدين الطرابلسي أستادار المؤيد شيخ وعلى جماعة أخر. وأصبح يوم الاثنين سادس عشرة جلس للخدمة بقلعة دمشق وخلع على الأمير تنبك ميق العلائي باستقراره في نيابة دمشق عوضًا عن جقمق الأرغون شاوي الدوادار وخلع على الأمير إينال الجكمي رأس نوية النوب واستقر به في نيابة حلب عوضًا عن الأمير ألطنبغا من عبد الواحد المعروف بالصغير وعلى الأمير يونس الركني الأعور أتابك دمشق باستقراره في نيابة غزة عوضًا عن أركماس الجلباني. ثم خلع على الأمير جاني بك الصوفي أمير سلاح باستقراره أتابك العساكر لديار المصرية عوضًا عن تنبك ميق. ثم أخذ الأمير ططر في العمل على مسك جقمق الدوادار فبعث إليه الأمير بيبغا المظفري أمير مجلس والأمير إينال الشيخي الأرغزي والأمير يشبك أنالي المعزول عن الأستادارية والأمير سودون اللكاشي ومعهم مائتا مملوك من المماليك السلطانية فساروا إلى صرخد. وأرسل الأمير ططر المبشر إلى الديار المصرية بقدوم السلطان إلى دمشق وبالقبض على الأمير ثم تزوج الأمير الكبير ططر بأم السلطان الملك المظفر أحمد صاحب الترجمة وهي خوند سعادات بنت الأمير صرغتمش وبنى بها فصار عم السلطان زوج أمه ونظام ملكه مع ما تمهد له من الأمر من مسك الأمير ألطنبغا القرمشي ورفقته ومن ورودود الخبر عليه بمجيء خجداشيته الأمراء الذين كانوا فروا من الملك المؤيد في وقعة الأمير قاني باي المحمدي نائب الشام المقدم ذكرهم. فلما كان يوم الثلاثاء ثامن جمادى الآخرة قدم الأمراء المقدم ذكرهم من عند قرا يوسف بعد موته وكانوا عند قرا يوسف من يوم فروا من وقعة الآمير قاني باي وهم الأمير سودون من عبد الرحمن نائب طرابلس كان والأمير تنبك البجاسي نائب حماة كان والأمير طرباي الظاهري نائب غزة كان والأمير يشبك الجكمي الدوادار الثاني كان وهو الذي فر من المدينة الشريفة لما كان أمير الحاج وتوجه إلى العراق في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة والأمير جاني بك الحمزاوي والأمير موسى الكركري بمن كان معهم فخلع عليهم الأمير ططر وأنعم عليهم بالمال والخيل والسلاح غير أنه لم يعط أحدًا منهم إقطاعًا ولا إمرة خوفًا من المماليك المؤيدية وكذلك الأمير برسباي الدقماقي نائب طرابلس كان أعني الملك الأشرف لما أطلقه من سجن قلعة دمشق لم ينعم عليه بإقطاع وكان من خبره أن الملك المؤيد جعله بعد إطلاقه من سجن المرقب ثم أمر الأمير ططر بابن محب الدين الأستادار - كان - فصودر وعوقب أشد عقوبة وأجرى عليه العذاب وأخذ منه جملًا مستكثرة ولا زال في العقوبة إلى أن مات في سابع عشرين جمادى الآخرة كل ذلك بعد قتل الأمير ألطنبغا القرمشي. وخبره أن الأمير ططر لما طلع إلى قلعة دمشق وقبض عليه في الحال ارتج العسكر لمسكه وعظم ذلك على جماعة كبيرة من المماليك السلطانية الظاهرية وطلبوا من الأمير ططر إبقاءه فرأى ططر لأنه لا يتم له أمر مع بقائه وأرسل القرمشي أيضًا يترقق له فلم يلتفت ططر إلى هذا كله وتمثل لسان حاله بقول المتنبي: الكامل لا يخدعنك من عدوك دمعه وارحم شبابك من عدو ترحم لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم وجسر عليه وقتله بعد أيام فلم ينتطح في ذلك عنزان. وكان الأمير ألطنبغا القرمشي حسنة من حسنات الدهر عقلًا وحشمة ورياسة وسؤددًا وكرمًا مع اللين والأدب والتواضع كما سيأتي ذكره في حوادث سنة أربع وعشرين وثمانمائة إن شاء الله تعالى. ولما أن مهد الأمير ططر أمور دمشق وقوي جانبه بخشداشيته وأصحابه عزم على التوجه إلى فلما كان يوم الجمعة خامس عشرين جمادى الآخرة المذكور ركب الأمير ططر من قلعة دمشق ومعه السلطان الملك المظفر وجميع عساكره وتوجه إلى جهة البلاد الحلبية وسار حتى وصلها في العشر الأول من شهر رجب بعد أن فر منها الأمير ألطنبغا الصغير قبل قدومه بمدة وملكها الأمير إينال الجكمي وسكن بدار السعادة على عادة النواب. وأقام الأمير ططر بحلب وأخذ في إصلاح أمرها وخلع على أمراء التركمان والعربان وبعث رسله إلى البلاد. وبينما هو في ذلك قدم عليه الأمير مقبل الحسامي الدوادار كان أحد أصحاب جقمق طائعًا وقد فارق الأمير جقمق من صرخد بعد أن حوصر جقمق من الأمير بيبغا المظفري المقدم ذكره ورفقته أيامًا فخلع الأمير ططر على الأمير مقبل المذكور وعفا عنه وفي النفس من ذلك شيء. ثم خلع الأمير ططر على الأمير تغري بردي من آقبغا المؤيدي الأمير آخور الكبير المعروف بأخي قصروه باستقراره في نيابة حلب عوضًا عن الأمير إينال الجكمي وخلع على الأمير إينال الجكمي باستقراره أمير سلاح عوضًا عن جاني بك الصوفي بحكم انتقاله إلى أتابكية العساكر بديار مصر وخلع على الأمير تمرباي اليوسفي المؤيدي المشد باستقراره أمير حاج المحمل فخرج من حلب وسار إلى الديار المصرية ليتجهز إلى سفر الحجاز. ثم أبطأ على الأمير ططر أمر جقمق بصرخد فندب له الأمير برسباي الدقماقي نائب طرابلس كان ومعه القاضي بدر الدين محمد بن مزهر ناظر الإسطبل ونائب كاتب السر وأرسل معه أمانًا لجقمق المذكور ولمن معه وحلف له أنه لا يمسه بسوء إن سلم إليه صرخد وقدم إلى طاعته. فركب برسباي وتوجه إلى صرخد. وما زال برسباي بالأمير جقمق ومن عنده حتى أذعنوا لطاعة الأمير ططر ونزلوا من قلعة صرخد وتوجهوا صحبة الأمير برسباي الدقماقي إلى دمشق وهم: الأمير جقمق نائب الشام والأمير طوغان أمير آخور الملك المؤيد وغيرهم. فلما قدموا إلى دمشق قبض عليهم الأمير تنبك ميق نائب الشام ولم يلتفت إلى كلام الأمير برسباي الدقماقي وحبس الأمير جقمق والأمير طوغان أمير آخور بقلعة دمشق وقال: " إذا جاء الأمير الكبير ططر إن شاء يطلقهما وإن شاء يقتلهما فاحتد الأمير برسباي لذلك قليلًا ثم سكن ما به لما علم المصلحة في قبضهما. وقيل إن الأمير برسباي لما قدم بهما إلى دمشق قال للأمير تنبك ميق: أنا قد حلفت لهما فاقبض عليهما أنت ففعل تنبك ذلك والصواب عندي هو القول الثاني. وأما الأمير ططر فإنه أقام بحلب هو والسلطان والعساكر إلى يوم الاثنين حادي عشر شعبان فبرز فيه من مدينة حلب يريد مدينة دمشق بعد أن مهد أمور البلاد الحلبية وخلع على مملوكه - ورأس نوبة - الأمير باك باستقراره في نيابة قلعة حلب وكان الأمير باك من أخصاء وسار الأمير ططر إلى أن دخل دمشق هو والسلطان الملك المظفر أحمد في يوم السبت ثالث عشرين شعبان فارتجت دمشق لدخوله وعبر دمشق وجميع الأمراء بين يديه والسلطان معه كالآلة على عادته وطلع إلى قلعة دمشق وشكر الأمير تنبك ميق على قبضه على جقمق ثم أمر بجقمق فعؤيب على المال ثم قتل بقلعة دمشق. ثم أخرج الأمير طوغان الأمير آخور من حبس قلعة دمشق وأرسله إلى القدس بطالًا فخف الأمر كثيرًا على الأمير ططر بقتل الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي ثم بقتل الأمير جقمق نائب الشام. ولم يبق عليه إلا الأمراء المؤيدي وكانت لهم شوكة وسطوة بخشداشيتهم المماليك المؤيدية فأخذ الأمير ططر عند ذلك يدبر على قبضهم وجبن عن ذلك. وتكلم مع خشداشيته المماليك الظاهرية برقوق في ذلك فاختلفت آراؤهم في القبض عليهم فمنهم من رأى أن القبض عليهم بالبلاد الشامية أصلح ومنهم من قال المصلحة أن الأمير الكبير ططر يعود إلى مصر ثم يفعل ما بدا له بعد أن يصير بقلعة الجبل فمال ططر إلى القول الثاني من أنه يعود إلى مصر ثم يقبض عليهم ثم يتسلطن. فلم يرض الأمير قصروه من تمراز بذلك وقام في القبض عليهم وبالغ في ذلك وهون أمر المؤيدية شيخ على الأمير ططر إلى الغاية حتى قال له: لا تتكلم أنث في أمرهم وأنا والأمير بيبغا المظفري نكفيك أمر هؤلاء الأجلاب كل ذلك لما كان فى نفس قصروه من أستاذهم الملك المؤيد فإنه حدثني بعض أعيان المماليك الظاهرية قال: لما أخرج الملك المؤيد قصروه من السجن وأنعم عليه بإمرة عشرة صادفته في بعض الأيام عند باب زويلة فسلمت عليه ورجعت معه فقال لي: يا أخي فلان فقلت له: نعم قال: تنظر ما يفعل بنا هذا الرجل وبخشداشيتنا قلت: نعم نظرت قال: الله لا يميتني حتى أفعل بمماليكه ما فعل بخشداشيتنا من الحبس والقتل والتشتت. فقلت له: هل قلت هذا الكلام لأحد غيري قال: لا. فقلت له عند ذلك: أمسك ما معك لأن غريمك صعب ومتى ما سمع بعض هذا الكلام عنك لا يبقيك ساعة واحدة. فقال:. أعرف هذا فاكتم أنت أيضًا ما سمعته مني. وتفارقنا فلم يكن إلا بعد مدة يسيرة ومات الملك المؤيد ووقع ما وقع من أمر الأمير ططر إلى أن قام قصروه في مسك المؤئدية ومسكوا عن آخرهم فلما كان بعد أيام رآني وقال: أخي فلان فقلت: نعم قال: هل وفيت بما قلت أم لا فقلت: نعم وفيت وزيادة. انتهى. وقد خرجنا عن المقصود ولنعد لما كنا فيه. ولما سمع الأمير ططر كلام قصروه هان عليه أمر المؤيدية ووافق قصروه الأمير تغري بردي المحمودي الناصردي والأمير بيبغا المظفري أمير مجلس والأمير يشبك الجكمي القادم من عند قرا يوسف والأمير أزدمر شايا ووالأمير أيتمش الخضري ولا زالوا بالأمير ططر حتى وافقهم على القبض عليهم بعد أن قال لهم: اصبروا حتى نكتب بقتل الأمير قجقار القردمي أمير سلاح. وكتب إلى مصر ثم إلى نائب إسكندرية الأمير قشتم المؤيدي بقتله فقتل في شعبان المذكور. وصار ططر يتردد في القبض على المؤيدية إلى أن كان يوم الخميس ثامن عشرين شعبان من سنة أربع وعشرين المذكورة وحضر الآمراء الخدمة على العادة وقرىء الجيش وفرغت العلامة وقبل أن يحضر السماط مدت الأمراء الظاهرية أيديهم فقبضوا على الأمراء المؤيدية في الحال الذين حضروا الخدمة والذين تأخروا عن الخدمة فكان ممن قبض عليه منهم سبعة من مقدمي الألوف من مشتروات الملك المؤيد وممن أنشأه وهم: الأمير إينال الجكمي أمير سلاح. أصله من مماليك جكم من عوض نائب حلب إلا أن المؤبد هو الذي أنشأه ورقاه. والأمير إينال الشيخي الأرغزي حاجب الحجاب وكان أصله من مماليك الأمير شيخ الصفوي أمير مجلس في دولة الملك الظاهر برقوق غير أنه جدم للملك المؤيد قديمًا واختص به أيام تلك الفتن فلما تسلطن رقاه وقربه إلى الغاية. والأمير سودون اللكاش الظاهري أحد الأمراء المجردين إلى حلب صحبة الأمير ألطنبغا القرمشي. وكان أصله من مماليك الأمير آقبغا اللكاش الظاهري وخدم الملك المؤيد قديمًا فلما ملك مصر أنعم عليه ورقاه حتى جعله أمير مائة ومقدم ألف بديار مصر. والأمير جلبان أمير آخور كان. وهو أيضًا من جملة من كان مجردًا صحبة القرمشي. وفي معتقه أقوال كثيرة. وأصله من مماليك الأمير تنبك أمير آخور اليحياوي الظاهري ثم أخذه بعده إينال حطب ثم جاركس المصارع ثم اتصل بخدمة الملك المؤيد شيخ وصار أمير آخور قبل سلطنته فلما تسلطن رقاه حتى صار من جملة الألوف بالقاهرة. ثم على الأمير أزدمر الناصري. وكان
وأصله من مماليك الملك الظاهر برقوق ونسبته بالناصري إلى تاجره خواجًا ناصر الدين. وهو ممن أنشأه الملك المؤيد من خشداشيته ورقاه وكان رأسًا في لعب الرمح. وعلى الأمير يشبك أنالي المؤيدي رأس نوبة النواب الذي كان ولي الأستادارية في دولة أستاذه المؤيد كان من أكابر المماليك المؤيدية ونسبته أنالي أي له أم. وعلى الأمير علي باي من علم شيخ المؤيدي الدوادار وهو أعظم مماليك المؤيد يوم ذاك. وهؤلاء من أمراء الألوف. وأما الذين قبض عليهم من أمراء الطبلخانات والعشرات فكثير منهم: الأمير مغلباي الأبو بكري الساقي وعلى الأمير مبارك شاه الرماح وعلى الأمير مامش المؤيدي رأس نوبة وعلى جماعة أخر. ثم قبض على الطواشي مرجان المسلمي الهندي الخازندار ثم أطلقه. وبعد مسك هؤلاء الأمراء خلا الجو للأمير ططر وعلم أنه لم يبق له منازع فيما يرومه فإنه كان في قلق كبير من علي باي الدوادار وخشداشيته وفي تخوف عظيم بحيث إنه كان في غالب سفره منذ خرج من الديار المصرية لا يفارق لبس الزردية من تحت ثيابه حتى أورث له ذلك مرضًا في باطنه من شدة برد الزردية وتسلسل فيه ذلك من شيء إلى شيء حتى مات حسبما نذكره. فلما قبض الأمير ططر على هؤلاء عزم على خلع السلطان الملك المظفر أحمد من السلطنة ووافقه على ذلك جميع الأمراء والخاصكية. هذا وقد صار ططر يأخذ بخاطر من بقي من صغار المماليك المؤيدية ويقربهم ويدنيهم ويسكن روعهم. على أن كل واحد منهم انتمى لشخص من حواشي ططر كما هي عادة العساكر المفلولة ممن زالت دولتهم وذهبت شوكتهم. وتخفف منهم جماعة بالبلاد الشامية وانحط قدرهم وخدموا الأمراء سنين إلى أن أعيدوا في دولة الملك الظاهر جقمق إلى بيت السلطان.
|